أين هم وما تأثيرهم؟ أغلى الصفقات في تاريخ الدوري السعودي

قبل سنوات قليلة فقط، كان من المستحيل تخيل أن نشهد نافذة انتقالات يغادر فيها نيمار باريس سان جيرمان إلى الهلال السعودي، أو أن يقرر لاعب شاب مثل جون دوران ترك الملاعب الأوروبية متجهًا نحو النصر. لم يكن أحد يتوقع أن تتحول الرياض إلى واحدة من أكثر المدن نشاطًا على خريطة ميركاتو النخبة في العالم، أو أن تصبح جدة والدمام والرياض مسرحًا للصفقات التي كانت يومًا ما حكرًا على كبار أوروبا.

ما حدث غيّر كل شيء. لم تعد أندية الدوري السعودي مجرد فرق محلية تسعى لتحسين مستواها، بل باتت مشروعًا كرويًا ضخمًا مدعومًا باستثمارات غير مسبوقة، وهدفها لا يقتصر على المنافسة المحلية، بل السعي لمكانة عالمية.

بدأت الأسماء تتوافد: لاعبين من طراز عالمي، مشاهير في أوروبا، نجوم في منتخباتهم، أسماء لا تخطئها الأعين ولا تختلف عليها الجماهير. والأهم من ذلك، أن هذه الانتقالات لم تقتصر على نهاية مسيرة بعض النجوم، بل امتدت إلى لاعبين في قمة عطائهم.

لكن في كرة القدم، كما في الحياة، لا يمكن شراء النجاح فقط. فالقيمة الحقيقية لأي صفقة لا تقاس باليورو أو الدولار، بل تقاس بما يقدمه اللاعب داخل المستطيل الأخضر.

في هذا التقرير، نغوص داخل أغلى الصفقات في تاريخ الدوري السعودي. نستعرض أرقامهم، نقارن تجاربهم، ونسأل: من منهم صنع الفارق؟ ومن خذل الطموحات؟ ومن بقي فقط كاسم كبير بلا أثر يُذكر؟

1. نيمار جونيور – الهلال

كانت صفقة انتقال النجم البرازيلي نيمار إلى الهلال هي الأكبر في تاريخ الدوري السعودي، لكنها تحوّلت سريعًا إلى ذكرى محبطة.

نيمار خاض فقط 7 مباريات، وسجل هدفًا وحيدًا، قبل أن يتعرّض لإصابة خطيرة أنهت موسمه ومسيرته مع الهلال مبكرًا. بعد ضجة إعلامية هائلة، انتهت التجربة بهدوء تام برحيله إلى سانتوس البرازيلي.

الحصيلة: صفقة استعراضية لم تضف شيئًا رياضيًا حقيقيًا.

التقييم: فشل مؤكد.

2. جون دوران – النصر

صفقة انتقال دوران إلى النصر أثارت الجدل في البداية بسبب سن اللاعب الصغير وسعره الكبير، وتألقه في ذلك الوقت رفقة أستون فيلا الإنجليزي المشارك في دوري أبطال أوروبا حينها، لكن المهاجم الكولومبي لم ينتظر طويلًا ليؤكد قيمته.
أحرز 12هدفًا في 18 مباراة، وصنع 9 أهداف.

لكن المفاجأة التي لم تكن في الحسبان، أن جون دوران، رغم تألقه الكبير ومساهماته الواضحة مع النصر، سيغادر الفريق في صيف 2025، وهو قرار غير متوقع على الإطلاق، خاصة بالنظر إلى قيمة الصفقة المرتفعة التي وصلت إلى 77 مليون يورو، والأرقام المُبهرة التي حققها اللاعب خلال نصف موسم فقط.

على الورق، كان كل شيء يشير إلى استمرار العلاقة بين الطرفين، لكن في كرة القدم الحديثة، لا تسير الأمور دائمًا بالمنطق. سواء كان السبب فنيًا، إداريًا، أو حتى ماليًا، فإن الرحيل المرتقب لدوران يحوّل قصته من واحدة من أنجح صفقات الدوري السعودي، إلى نهاية مبكرة ومفاجئة لمسيرة لم تكتمل، رغم انطلاقتها الصاروخية.

الحصيلة: صفقة ناجحة أدت ما عليها، لكنها انهارت بشكل مفاجئ.

التقييم: نجاح غير مكتمل.

3. موسى ديابي – اتحاد جدة

منذ أن حطّ رحاله في مدينة جدة، لم يكن موسى ديابي مجرد صفقة كبيرة من حيث القيمة المالية فقط، بل تحوّل سريعًا إلى أحد أكثر اللاعبين تأثيرًا في تشكيل الاتحاد، وخاصة في موسم تاريخي شهد تتويج الفريق بثنائية الدوري وكأس خادم الحرمين الشريفين.

من بين جميع اللاعبين، برز ديابي كأحد الأسلحة الرئيسية في تحقيق الثنائية، ليصبح الاتحاد رابع نادٍ فقط في تاريخ السعودية يحقق الدوري والكأس في موسم واحد.

ديابي أنهى الدوري كثاني أكثر اللاعبين صناعة للأهداف برصيد 14 تمريرة حاسمة، بفارق تمريرة واحدة فقط عن المتصدر سالم الدوسري.

الحصيلة: تألق فردي في موسم تاريخي.

التقييم: نجاح كبير.

4. مالكوم – الهلال

بينما خطفت صفقة نيمار الأضواء واحتلت العناوين الأولى، كان مالكوم يعمل بصمت، يبني اسمه ويصنع تأثيره على أرض الملعب دون ضجيج. لم يكن “نجم الانتقالات” أو العنوان الأبرز على مواقع التواصل، لكنه كان أحد أعمدة النجاح الحقيقي في الهلال.

منذ انضمامه إلى الزعيم، شارك مالكوم في 96 مباراة رسمية، سجّل خلالها 36 هدفًا وصنع 31 تمريرة حاسمة، ليصبح من أكثر اللاعبين استمرارية على مستوى الأداء والمردود الفني.

ما يُميّز مالكوم أنه فرض نفسه بين أسماء لامعة في تشكيلة الهلال مثل ميتروفيتش وسافيتش ونيمار نفسه، وأثبت أن النجومية لا تحتاج دائمًا إلى ضجيج خارج الملعب، يكفي أن تكون حاضرًا في اللحظة التي يحتاجك فيها الفريق، وهذا ما فعله مالكوم.

الحصيلة: أحد أعمدة الهلال الأساسية وورقة هجومية حاسمة.

التقييم: نجاح كبير.

5. أوتافيو – النصر

انضم البرتغالي أوتافيو إلى النصر في صفقة كانت وقتها الأغلى في تاريخ النصر وكذلك أغلى صفقة بيع يقوم بها نادي بورتو البرتغالي، لكن لاعب الوسط البرتغالي لم يحقق المستوى الكبير الذي يناسب قيمة الصفقة. 12 هدفًا و16 تمريرة حاسمة في 84 مباراة تبدو أرقامًا عادية.

الحصيلة: التأثير ليس كبيرًا بقدر القيمة المالية للصفقة.

التقييم: متوسط.

من المبالغ إلى المردود.. الحقيقة دائمًا في الملعب

الاستثمار في اللاعبين الكبار أصبح من سمات الدوري السعودي، لكن التجربة أثبتت أن قيمة اللاعب لا تُقاس بما دُفع من أجله، بل بما يقدمه داخل المستطيل الأخضر. أسماء كبرى جاءت بعناوين مثيرة، لكنها لم تترك بصمة. وأخرى جاءت بهدوء، فكانت العلامة الفارقة في نجاح أنديتها.

هذا التباين يُثبت أن الرهانات في كرة القدم لا تُحسم على طاولة التعاقدات، بل في تفاصيل المباريات، في الاستمرارية، في الانضباط، وفي القيمة التي يضيفها كل لاعب للمجموعة.

ومع استمرار تدفق النجوم إلى دوري روشن، تبقى الصفقات الناجحة ليست فقط من تملأ المدرجات عند الإعلان عنها، بل من تترك أثرًا عندما ينطفئ الضوء وتبدأ المباراة.