برشلونة فليك.. محو تاريخ الأزمات الألمانية وكسر التيكي تاكا

من نفس المدرسة التي لم تجد طريقها الحقيقي في برشلونة، جاء هانز فليك. لم يحمل إرث من سبقوه، بل أعاد تعريف العقلية الألمانية في النادي الكتالوني، بنسختها الحديثة.
لا صدامات في غرفة الملابس، لا خلافات مع النجوم، عمل هادئ وفي أصعب الظروف، والصوت كان عاليًا لكن في الملعب، ليرفض فليك تغيير التاريخ، بل يمحيه.
بعد رحيل تشافي هيرنانديز، ارتبط برشلونة بالعديد من المدربين أبرزهم من الجنسية الألمانية، مثل يورجن كلوب وتوماس توخيل، وكذلك هانز فليك.
تسارعت الأحداث وأعلن خوان لابورتا تعاقد برشلونة مع فليك، الرجل الذي لم ينجح في منتخب ألمانيا، عاد من جديد لقيادة الأندية، عبر بوابة النادي الكتالوني.
أبــطــال الــلــيــجــا 🏆🇪🇸
— 365Scores Arabic (@365scoresarabic) May 15, 2025
رسميًا برشلونة يُتوج بالدوري الإسباني للمرة الـ28 في تاريخه والأولى تحت قيادة المدرب الألماني هانز فليك 🫡🔥
البارسا هو ثاني أكثر الأندية تتويجًا بالبطولة خلفًا لريال مدريد 🔝#برشلونة #فليك #الدوري_الإسباني #الليجا #يامال #رافينيا… pic.twitter.com/0vxpPwwcTw
ظروف مادية صعبة، مشاكل مع الليجا والاتحاد الأوروبي، إصابات في صفوف الفريق، صعوبة في تسجيل الصفقات، لكن كل هذا لا يهم، لقد جاء فليك لكي يدمج العقلية الألمانية مع اللاماسيا، ليُنتج كرة قدم شاملة أبهرت العالم هذا الموسم، وأنهته بثلاثية محلية كانت غائبة عن البيت الكتالوني.
قبل هانز فليك، تجارب المدربين الألماني في برشلونة اقتصرت على الثنائي هاينز فايسفايلر وأوتو لاتيك، لكلًا منهما قصة مثيرة تسببت في رحيله.
كرويف يحكُم برشلونة
في نهاية موسم 1974-1975، أقال نادي برشلونة المدرب الهولندي رينوس ميشيلز، الذي كان يقدم كرة قدم ممتعة وأحد مؤسسي الكرة الشاملة الهولندية.
بعد النجاح في أياكس مع كرويف، كرر ذلك رينوس في برشلونة، ولكنه رحل بنهاية الموسم بسبب عدم تحقيق أي لقب، والخروج من نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.
قرر حينها الرئيس أجوستي مونتيل كوستا رحيل الهولندي، وجلب هاينز فايسفايلر الذي توّج ببطولة الدوري الألماني مع بوروسيا مونشنجلادباخ 3 مرات، وبطل كأس الاتحاد الأوروبي وصنع المجد في الأراضي الألمانية.
وصل فايسفايلر، ولكن بأسلوب وطريقة لعب مختلفة عن التي كان يعتمد عليها رينوس، ما بين الـ4-3-3 الهجومية مع أدوار مختلفة لـ يوهان كرويف كلاعب وسط من مواطنه الهولندي، إلى شكل تكتيكي مختلف في الملعب بـ ثلاثي دفاعي واللعب 3-6-1 مع الألماني.
تفاجئ الجميع في برشلونة بقرارات المدرب الألماني، مثل تأخير لاعب خط الوسط مارسيال بينا إلى مركز الليبرو. وطلب فايسفايلر من كرويف أن يلعب أكثر من “9” وألا يلعب بالحرية التي اعتاد عليها “الهولندي الطائر”.
G⚽L DEL DIA #OTD Avui fa 50 anys en Johan Cruyff debutava com a culer en un partit amistós 🔙🔥 pic.twitter.com/xN9KLhEcim
— FC Barcelona (@FCBarcelona_cat) September 5, 2023
في 8 فبراير 1976 تأتي مباراة إشبيلية في الدوري الإسباني، خرج يوهان كرويف في الدقيقة 70، قبل 20 دقيقة من نهاية المباراة، عندما كان الفريق متأخر بهدفين في ملعب رامون سانشيز بيزخوان.
بعد المباراة قال فايسفايلر أن الهدف الثاني الذي تلقاه الفريق كان بسبب يوهان كرويف والخطأ من البداية يتحمله وحده، مما أدى لخروجه بعد 3 دقائق فقط من ذلك الهدف.
عقب اللقاء، ذهب يوهان كرويف إلى رئيس النادي أوجوستي مونتيل، وأخبره بأنه لن يستمر في الفريق ما دام ذلك الألماني مستمر في النادي.
دعّم ريكساش أحد نجوم الفريق في ذلك الوقت زميله يوهان كرويف، مع ثورة من قبل الجماهير التي طالبت بإقالة المدرب الألماني.
استمر فايسفايلر مع النادي، لكن النتائج لم تكن في صالحه فقد احتل المركز الثالث في الليجا، وخرج من دور الـ16 ببطولة الكأس، وحتى بطولة كأس الاتحاد الأوروبي التي كان يأمل في أن ينقذ بها موسمه، خسر في ذهاب نصف النهائي ضد ليفربول، ليتقدم باستقالته فورًا، ورفض الهولندي أن يتبادل التحية معه عند رحيله.
في عام 1982، كشف فرانس بيكنباور أسطورة بايرن ميونخ للصحفي جونزالو كاسيريس بصحيفة “سبورت” الإسبانية، أن فايسفايلركان يريد التعاقد معه وطالب برشلونة برحيل كرويف.

لكن الأسطورة الألمانية جدد عقده حينها لمدة عام مع بايرن قبل الرحيل إلى الدوري الأمريكي.
بعد رحيل فايسفايلر، عيّن برشلونة لوريانو رويز حتى نهاية الموسم، قبل أن يعود رينوس ميشيلس من جديد، ليُعيد البسمة على وجه يوهان كرويف، الذي خرج منتصرًا في معركته ضد الألماني.
لاتيك ومارادونا.. السهر أسقط النظام
في 1981، قرر جوسيب لويس نونيز، الرئيس التاريخي لـ برشلونة، التعاقد مع أودو لاتيك، الذي كان قد حقق الدوري مع بايرن ميونخ وكأس الاتحاد الأوروبي مع مونشنجلادباخ والدوري أيضًا، ليقرر جوسيب الاستعانة به لخلافة هيلينيو هيريرا.
قبل ست جولات من نهاية الموسم الأول، كان برشلونة متصدر الدوري الإسباني بفارق خمس نقاط، لكنه شهد انهيارًا مفاجئًا في المباريات الأخيرة، حيث فشل في تحقيق أي انتصار خلال تلك الجولات الست، بما في ذلك خسارته في الكلاسيكو أمام ريال مدريد، لينتهي الموسم بتتويج ريال سوسيداد باللقب.
رغم ذلك، توّج ببطولة كأس الكؤوس الأوروبية على حساب ستاندر لييج، وفي الموسم التالي انضم له مارادونا.
حينما وصل أودو لاتيك إلى كامب نو، كان يحمل إرث بطولات من ألمانيا، وعزيمة لبناء فريق جديد على أسس الانضباط والجدية مع برشلونة، لكن في حضرة مارادونا مع الموسم التالي كان للسهر الليلي قصة مختلفة، وأسلوب حياة لا ينسجم مع قواعد المدرب الألماني الصارمة.
🔙 El 4 de juny de 1982 es va fer oficial el fitxatge de Maradona per el FC Barcelona (📸 H.Seguí).
— FC Barcelona (@FCBarcelona_cat) June 4, 2021
SEMPRE DIEGO 🙏 pic.twitter.com/Ba9YrmGeif
المدرب الذي حاول فرض النظام وجد نفسه في مواجهة مع نجم لا يقبل القيود، ونتيجة هذا الصدام لم تكن فقط في النتائج على أرض الملعب، بل في زعزعة توازن الفريق وانهيار الحلم الذي بدأ يبنى.
في الموسم التالي أمام أبولون ليماسول، سجل مارادونا هاتريك في الفوز بثمانية أهداف، لكنه عندما خرج في الدقيقة 71، كان غاضبًا، حيث يريد إضافة المزيد من الأهداف.
بعد تلك المباراة تعادل برشلونة 5 مباريات على التوالي بمختلف المسابقات، وكان يرى لاتيك بأن مارادونا لا يلتزم بالتعليمات، ونصحه أكثر من مرة بالتوقف عن ذلك لأنه يؤثر على مستواه.
في يناير 1983، خسر برشلونة لقب كأس السوبر الأوروبي أمام أستون فيلا 3-0 في بيرمنجهام رغم الفوز 1-0 ذهابًا، وفي بطولة الدوري خسر من راسينج على ملعب كامب نو، ورغم التأخر بـ 3 نقاط فقط عن ريال مدريد، لكن تمت إقالته في مارس 1983، ليحل محله سيزار مينوتي.
مينوتي الأرجنتيني تولى قيادة برشلونة، وعلاقته مع مارادونا كانت قوية حيث أشرف على تدريبه في منتخب الشباب، رغم أنه رفض ضمه لقائمة التانجو في كأس العالم 1978، الذي حققه البيانكوتسيليستي في النهاية.
قبل ان يغادر مارادونا بنهاية الموسم التالي إلى نابولي، ليبدأ في كتابة التاريخ بملعب البارتينوبي.
هانز فليك .. العقلية الألمانية التي تحتاجها كتالونيا
إذا نظرنا لما حدث مع فايسفايلر أو لاتيك، سنجد بأن الثنائي لم يتمكنا من التعامل مع النجوم. وافتقرا السيطرة على غرفة الملابس وشخصية اللاعب كانت طاغية بشكل أكبر.
فايسفايلر نتائجه كانت جيدة لكنه اصطدم بالهولندي الطائر الذي كان ملكًا في كامب نو، وأيضًا علاقة لاتيك مع مارادونا، حرمته من الليجا التي خسرها بسيناريو قاسي.

فليك الآن يعرف جيدًا كيف يتعامل مع اللاعبين، وإذا عدنا بالذاكرة ليناير الماضي، سنجد موقفه مع إينياكي بينيا بعد التأخر المحاضرة الأخيرة قبل مواجهة بلباو، سببًا في جلوسه بديلًا حتى الآن.
بالإضافة إلى ذلك، الانضباط الذي يضعه الألماني على الجميع، سواء داخل الملعب أو خارجه.
برشلونة قبل هذا الموسم بدون نجم بقيمة كرويف أو مارادونا في ذلك الوقت، ولكن بفضل ما فعله فليك، ظهر العديد من النجوم مثل رافينيا الذي كان مرشح للرحيل، واستعاد بيدري لياقته، وأظهر ليفاندوفسكي نسخته الأفضل بالقميص الكتالوني.

تطور لامين يامال، وتوهج إينييجو مارتينيز، وصلابة كوندي أصبحت أقوى، ليظهر برشلونة وجهًا مرعبًا.
راهن خوان لابورتا على فليك، الرجل الذي نزَع عباءة التيكي تاكا وأعاد رسم هوية برشلونة بثقة جديدة، بكرة قدم شاملة عمودية لا تعتمد على الاستحواذ، بنسخة مرعبة هجوميًا، حتى وان كانت بها بعض المشاكل الدفاعية.
فليك حقق الثلاثية المحلية في موسمه الأول، وكان قريبًا من دوري الأبطال لولا التفاصيل الصغيرة ونقص القائمة، وأعاد الشغف من جديد لمدرجات برشلونة.
لقد مزّق فليك دفاتر ألمانيا القديمة، ورفض أن يكتب مثلها للبلوجرانا، بل بأحرف من ذهب، يرسم تاريخًا جديدًا ومستقبل مُبهر منتظر تحت قيادة الألماني.