ألوان باهتة و4K غير مكتملة: سر اقتصادي وراء تراجع صورة بي إن سبورتس

انتشرت صورة بشكل كبير عبر منصات التواصل الاجتماعي خلال بث مباراة ليفربول وبورنموث في الجولة الأولى من الدوري الإنجليزي الممتاز. لم تكن لقطة لهدف رائع أو تدخل حاسم، بل كانت مقارنة بسيطة وقوية في آن واحد، كانت لقطة متطابقة من بث قناتي بي إن سبورتس وسكاي سبورتس للمباراة.
على اليمين، صورة بث شبكة سكاي سبورتس زاهية بالألوان، شديدة التفاصيل، ومليئة بالحيوية، لكن على اليسار، صورة بي إن سبورتس تبدو باهتة، فاقدة للحيوية، وكأن طبقة ضبابية خفيفة تغطي الشاشة.
هذه الصورة لم تكن مجرد حادثة عابرة، بل كانت الأحدث في نقاش ممتد لسنوات بين عشاق كرة القدم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حول جودة البث مقارنة بنظرائهم الأوروبيين.
السؤال الذي يطرحه المشاهد ليس بسيطًا. لماذا هذا التباين الواضح؟ هل هو مجرد خطأ فني؟ أم أن هناك قصة أعمق تتعلق بالتكنولوجيا، أو الاقتصاد؟ هذا التقرير سيجيب عن هذه الأسئلة.
الفارق الذي نراه على الشاشة ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة لسلسلة من القرارات التقنية والاقتصادية التي يتخذها كل ناقل، والتي تعكس توجهات مختلفة، وأولويات متعددة لكل منهم.
مصدر البث العالمي: نقطة انطلاق متساوية للجميع
قد يفاجأ الكثيرون عندما يعلمون أن قناة سكاي سبورتس وقناة بي إن سبورتس لا تقومان بإنتاج التغطية الأساسية لمباريات الدوري الإنجليزي الممتاز بأنفسهما، بل بدلاً من ذلك، يتلقى كلاهما إشارة بث موحدة تُعرف بالبث العالمي من مصدر مركزي واحد.
يتم توزيع هذه الإشارة الموحدة على أكثر من 55 شريك بث دولي حول العالم، بما في ذلك سكاي وبي إن، لتغطية 189 سوقًا عالميًا.
هذه المعلومة تمثل نقطة الانطلاق المحورية في حديثنا، فإذا كانت الشركة المسؤولة عن مصدر البث توفر إشارة موحدة وعالية الجودة لجميع شركائها الدوليين، فهذا يعني منطقيًا أن أي اختلاف كبير في جودة الصورة التي يراها المشاهد النهائي يتم إضافته بعد أن تغادر الإشارة المصدر.
هذه المعلومات تستبعد أن تكون عملية الإنتاج في الملعب هي سبب المشكلة، وبالتالي يتوجه تركيزنا بشكل مباشر إلى عمليات المعالجة التي يقوم بها كل ناقل بمفرده.
مركز البث حيث تتحول الإشارة إلى قناة تلفزيونية
بمجرد وصول البث العالمي الأصلي إلى مقرات الناقلين، يدخل مرحلة التحول في مركز البث، حيث إن هذا هو المكان الذي يتم فيه تحويل الإشارة إلى قناة تلفزيونية جاهزة للبث.
هنا، يضيف كل ناقل بصمته الخاصة، مثل هويته البصرية، وشعاره، وشريط النتائج، والإعلانات المحلية، والأهم يتم إجراء معالجة اللون ومعالجة الفيديو الخاصة به قبل إرسال الإشارة النهائية إلى الأقمار الصناعية.
نهج سكاي سبورتس: الوضوح الكبير وتقنية الصورة عالية الجودة
اتخذت شبكة سكاي سبورتس قرارًا مميزًا ببث أحداثها المباشرة المميزة بتقنية فائقة الدقة Ultra HD، مع تقنية المنحنى اللوغاريتمي-الخطي الهجين HLG HDR.
تقنية HLG هي معيار بث مصمم خصيصًا لتقنية المدى الديناميكي العالي (HDR)، تم تطويره بالتعاون بين هيئة الإذاعة البريطانية BBC وهيئة الإذاعة اليابانية NHK. الميزة الكبرى في هذه التقنية هي أنها متوافق مع أجهزة التلفزيون العادية (SDR)، في حين تقدم في نفس الوقت الألوان المحسنة والسطوع الفائق على الشاشات الداعمة لتقنية HDR .
نهج بي إن سبورتس: تحديات السوق المتنوع والمعالجة اللونية
تمتلك بي إن سبورتس أيضًا بنية تحتية تقنية متطورة جدًا، لكن ما هو سر الألوان الباهتة؟ يكمن التفسير الأكثر ترجيحًا في السطور التالية:
1- التحويل من جودة عالية HDR إلى جودة عادية SDR: عندما يتم استلام إشارة مصدر بتقنية HDR وتحويلها للبث على القنوات العادية غير الداعمة لـHDR، فإن هذه العملية تتطلب استخدام جدول بحث لوني لترجمة نطاق الألوان والسطوع الواسع إلى النطاق المحدود. إذا تم تطبيق هذا التحويل بشكل غير صحيح أو باستخدام جدول بحث لوني غير دقيق، فإن النتيجة تكون صورة غير واضحة المظهر، وتبدو باهتة، ومنخفضة التباين، وهذا هو ما يتطابق تمامًا مع وصف المشاهدين للصورة “الباهتة”.
2- معالجة لونية آمنة ومحافظة: تخدم بي إن سوقًا ضخمًا ومتنوعًا يمتد عبر 43 دولة. تتنوع أجهزة التلفزيون في منازل المشاهدين بشكل هائل، من شاشات الحديثة إلى شاشات أقدم. ربما تلجأ بي إن إلى تطبيق معالجة لونية أكثر تحفظًا وأمانًا تهدف إلى ضمان ظهور الصورة بشكل مقبول على أوسع نطاق ممكن من الشاشات.
هذا النهج يضحي بجودة الألوان التي تعرضها الشاشات الحديثة، لتجنب مشاكل مثل تشبع الألوان المفرط أو فقدان التفاصيل في المناطق المظلمة على الشاشات الأقل جودة.
الخلاصة هنا أن الاختلاف في جودة الصورة قد لا يكون خللًا، بل ميزة متعمدة، فالهوية البصرية لسكاي مرتبطة بتقديمها تقنية متطورة في سوق شديد التنافسية، حيث تستخدم جودة الصورة كعامل تميز رئيسي.
من ناحية أخرى، قد يكون التحدي الأساسي لبي إن في الجانب الاقتصادي، من أجل تقديم خدمة ملائمة وموثوقة عبر عشرات البلدان ببنيات تحتية متفاوتة.
لغز الـ4K: لماذا لا تتساوى كل البيكسلات؟ الإجابة في معدل البت
لفهم لماذا لا تبدو جودة 4K على بي إن سبورتس حقيقية، يجب أن نفهم مفهوم معدل البت أولًا.
الدقة مثل 4K تخبرنا بعدد النقاط التي تتكون منها الصورة، ولكنها لا تخبرنا شيئًا عن جودة كل نقطة من هذه النقاط. هنا يأتي دور معدل البت.
معدل البت هو كمية البيانات المخصصة لوصف صورة الفيديو في كل ثانية من البث. الأمر يشبه الرسم، فالدقة هي حجم اللوحة، ومعدل البت هو كمية الألوان التي لديك لتغطيتها. لوحة ضخمة مع كمية ضئيلة من الألوان ستنتج صورة باهتة وغير مفصلة. في بث المحتوى سريع الحركة مثل كرة القدم، حيث تتغير الصورة بأكملها مع كل إطار، يصبح معدل البت المرتفع ضروريًا للحفاظ على الوضوح، وتجنب ضبابية الصورة.
هنا نكشف عن البيانات التقنية الفعلية التي تقف وراء هذا التباين. بناءً على تحليل إشارات البث الفضائي، تتضح الفجوة الغير قليلة في معدل البت بين الشبكتين:
- بي إن سبورتس 4K: تبث القناة عبر القمر الصناعي سهيل سات، ويبلغ معدل بت الفيديو الخاص بها تقريبًا 10 ميجابابت في الثانية.
- سكاي سبورتس 4K: تبث عبر مجموعة الأقمار الصناعية أسترا، ويبلغ معدل بت الفيديو لبعض قنواتها لما يقرب من 23-25 ميجابايت في الثانية، مع وصول قنوات سكاي الغير رياضية الأخرى إلى 33 ميجابت في الثانية.
هذه الأرقام تكشف الحقيقة الكاملة، فمعدل البت الذي تستخدمه سكاي سبورتس يزيد عن ضعف معدل البت الذي تستخدمه بي إن سبورتس لنفس الدقة (4K).
الجانب الاقتصادي مؤثر بشكل كبير
تأجير مساحة على جهاز إرسال واستقبال القمر الصناعي يمثل نفقات تشغيلية ضخمة لأي شبكة تليفزيونية، وترتبط التكلفة ارتباطًا مباشرًا بكمية النطاق الترددي المستخدم، فكلما زاد معدل البت، زادت التكلفة.
هنا يظهر الاختلاف الجغرافي، تبث بي إن عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي منطقة جغرافية كبيرة تتطلب تغطية فضائية قوية ومكلفة، وبالتالي لخدمة هذا السوق الهائل بعشرات القنوات، ربما تقوم بي إن باتخاذ قرارات استراتيجية حول تخصيص النطاق الترددي، فاستخدام معدل بت منخفض (10 ميجابايت لكل ثانية) لقناة 4K يسمح لهم بوضع المزيد من القنوات على جهاز إرسال واستقبال واحد، مما يقلل التكاليف بشكل كبير مقارنة بتخصيص بث بمعدل بت مرتفع لقناة واحدة فقط، وعدم بث أي قنوات أخرى.
الأمر أكثر من مجرد صورة
الصراع الأساسي هنا هو صراع قديم في عالم البث، وهو الجودة مقابل التكلفة مقابل الانتشار. تعطي سكاي الأولوية للجودة، في حين تعطي بي إن الأولوية للانتشار والتكلفة الأقل عبر سوق واسع ومتنوع. الصورة التي نراها على شاشاتنا هي انعكاس مباشر لهذه الاستراتيجيات المعقدة.
الآن، يمكننا أن نرى ما هو أبعد من الصورة، يمكننا فهم العلاقة المعقدة بين التكنولوجيا والاقتصاد والاستراتيجية التي تتبعها كل شبكة.