365TOPانتقالاتتقارير ومقالات خاصة365TOP
الأكثر تداولًا

عزيزي المشجع.. توقف عن متابعة أخبار الميركاتو حالًا

هل تعرف فابريزيو رومانو؟ بالتأكيد تعرفه، رجل الانتقالات الأبرز في عصر السوشيال ميديا، لم يعد سوق الانتقالات مجرد مفاوضات خلف الأبواب المغلقة، بل تحوّل إلى مسرحٍ مفتوح تُكتب سيناريوهاته بلغة التغريدات السريعة، وفي هذا العالم المشحون بالإشاعات، تحول رومانو من ناقل أخبار إلى حَكَمٍ رمزي يُجسد ثنائية العصر الرقمي، الإفراط في الشفافية مقابل جوع الجماهير للمعلومة الموثقة. 

تأثير رومانو تجاوز نقل الأخبار إلى خلق نظامٍ موازٍ تُقاس فيه مصداقية الأندية والوكلاء بقربهم من حسابه، عباراته المتكررة تحوّلت إلى رموزٍ أشبه بإشارات البورصة، وكل تغريدة تُحرك أسعار اللاعبين وتُغيّر مسارات المفاوضات، فحين يُصدّق الملايين أن التغريدة هي الحقيقة، يصبح الواقع مجرد ظلّ لها. 

وهذا يكشف تناقضا هاما في الكرة الحديثة: فبينما تنادي الأندية بالاحترافية، تدرك أن سلطتها تقوضها جملة “Here we go”، هنا يتحول الصحفي إلى ساحرٍ جديد في سيرك الانتقالات، حيث تصبح الحقيقة نسخة باهتة يُصدقها من يملك المتابعين، ولذلك يا عزيزي المشجع، توقف عن متابعة أخبار الميركاتو حالًا، (وتابعنا هنا في 365Scores، فبحسب دراسة نشرتها جامعة كفر طهرمس الدولية، فمتابعي 365Scores هم أكثر ذكاء وحنكة وخبرة من متابعي فابريزيو رومانو بنسبة 74.78%، تهانينا لك عزيزي القارئ). 

جنون وهستيريا

لا يمثل موسم الانتقالات مجرد فترة لتبادل اللاعبين بين الأندية، بل هو ظاهرة ثقافية واجتماعية تثير شغف الملايين حول العالم، إذ يُنظر إلى الميركاتو، وخاصة الصيفي، على أنه فترة من الإثارة والترقب الشديد، حيث يترقب المشجعون بشغف أخبار الصفقات المحتملة التي قد تعزز فرقهم، هذه الفترة، التي توصف غالبًا بأنها “جنون” و”هستيريا”، تجذب الانتباه وتثير الفضول، وتتحول إلى جزء لا يتجزأ من تجربة المشجع الكروية. 

إذ تكمن جاذبية موسم الانتقالات في قدرته على استغلال الميل البشري للبحث عن الإثارة والتشويق، ليتحول إلى ما يشبه الأوبرا المليئة بالدراما والتقلبات، دراما تبقي الجماهير في حالة ترقب دائم، حيث تعمل الشائعات المستمرة والتقلبات الدرامية في سوق الانتقالات كحشو سردي مستمر لسد  الفجوات، وإثارة المحادثات، وتبديد المخاوف، وتأجيج القلق، وهذا ليس إعلام،  بل هو ترفيه يهدف إلى إبقاء الجماهير منخرطين في عالم كرة القدم، حتى في فترات التوقف. 

ومع ذلك، غالبًا ما يُبنى هذا الترفيه على التكهنات والخوف والقلق، بدلاً من الحقائق الملموسة، مما يحول التشجيع إلى حالة مستمرة من التقلبات العاطفية المدفوعة بمثيرات خارجية، وغالبًا ما تكون غير موثوقة، وهذا يشير أيضًا إلى احتمال تحويل عواطف المشجعين إلى سلعة تباع وتشترى، وعلى الرغم من هذه الإثارة الظاهرية، هناك دعوات متزايدة لإعادة تقييم كيفية استهلاكنا للأخبار، خاصة مع تزايد أعداد من يتجنبون متابعة الأخبار بشكل عام بسبب الإرهاق والمعلومات السلبية.

هذا التساؤل يمهد للمحور الرئيسي لهذا التقرير: أن ما يبدو شغفًا قد يكون في الواقع استنزافًا نفسيًا، وأن هناك ثمنًا خفيًا لهذه المتابعة النهمة ، مما يستدعي وقفة تأملية في عاداتنا الاستهلاكية للأخبار. 

فما يبدو “شغفًا جماعيًا” هو في جوهره تحويل المشاعر إلى بورصة خفية، تُستدرج خلالها مشاعر الأمل والقلق لتصبح وقودًا لآلة الإشباع الفوري، ما يخلق حلقة مفرغة: التكهنات تُغذي القلق، والقلق يُغذي المتابعة، والمتابعة تُحول الجمهور إلى منتِجٍ مجاني للتفاعل الذي يُترجم إلى إعلانات وإيرادات. دراسة “جامعة مانشستر” (2023) أظهرت أن 68% من مشجعي الدوري الإنجليزي يشعرون بـ”الإرهاق” بسبب تدفق أخبار الانتقالات، لكنهم يواصلون المتابعة خوفًا من “فوات اللحظة”. 

الضرر الأعمق لا يكمن في المعلومات الزائفة فقط، بل في تآكل القدرة على التمتع باللعبة نفسها، فعندما تتحول كرة القدم إلى دراما يومية، يصبح التركيز على الأداء الرياضي ثانويًا أمام هوس الصفقات. ولكن إذا كان الإرهاق الإخباري يدمر متعة الجمهور، ويُحوّل التشجيع إلى عبء نفسي، فهل حان الوقت لإضراب جماعي عن المتابعة، أم أن نظام كرة القدم الحديث صمّم نفسه ليكون الإدمان جزءًا لا يتجزأ من تجربة المشجع؟

 
 
 
 
 
عرض هذا المنشور على Instagram
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎365Scoresarabic‎‏ (@‏‎365scoresarabic‎‏)‎‏

استنزاف العقل

يُعرف إرهاق الأخبار بأنه “إجهاد نفسي ناتج عن كثرة المعلومات، وتحديدًا من حمل زائد من المحتوى من وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي”. هذه الظاهرة ليست جديدة، لكنها زادت بشكل كبير خلال العقد الماضي، لتصبح إشارة من الجسم والعقل للحاجة إلى استراحة ذهنية بعد استهلاك كم كبير من المعلومات. 

هذا التعريف يضع الأساس لفهم المشكلة، مؤكدًا أن الإرهاق ليس مجرد شعور عابر بالملل، بل هو استجابة فسيولوجية ونفسية لضغط المعلومات، مما يستدعي الانتباه إلى حجم المعلومات التي نستهلكها يوميًا. 

يُعد إرهاق الأخبار نقطة تحول حرجة، إذا لم يدار بفعالية، فإنه يتصاعد إلى ما يُعرف بـ “تجنب الأخبار”، حيث ينفصل الأفراد تمامًا عن متابعة أي معلومات، هذا الانفصال، بينما يوفر راحة مؤقتة، له تأثير مضاعف خطير؛ فهو يجعل الأفراد أكثر عرضة للمعلومات المضللة لأنهم يتجنبون المصادر الموثوقة، مما يعيق قدرتهم على تحليل المعلومات بشكل نقدي واتخاذ قرارات مستنيرة،  وقد يؤثر هذا على حياتهم اليومية وصحتهم، مما يخلق ضعفًا مجتمعيًا يتجاوز الرفاهية الفردية.

وتتعدد محركات هذا الإرهاق، أبرزها طوفان الإنترنت ودوامة وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أدى الإنترنت إلى خفض تكلفة إنتاج الأخبار وجعل بثها وتوزيعها أسهل، مما يعرض الجمهور لكمية هائلة من المعلومات بشكل مستمر، أما منصات التواصل الاجتماعي، فقد صُممت أساسًا لإبقاء المستخدمين متصلين بها طوال الوقت، وتشجع على التمرير المستمر (Scrolling) الذي يعطي انطباعًا بعدم وجود نهاية للمحتوى، مما يؤدي إلى حالة من الإشباع والإرهاق الذهني، مما يجعل الأفراد عرضة للتشبع المعلوماتي.

تُشكل الخوارزميات فخًا معقدًا، حيث صُممت منصات التواصل الاجتماعي عمدًا لتكون “إدمانية”. تستغل هذه المنصات نظام المكافأة في الدماغ، وتحديداً إفراز الدوبامين، من خلال مكافآت غير متوقعة، (مثل الإعجابات والمشاركات)، مما يؤدي إلى سلوك قهري يكاد يكون إدمانيًا. هذا يخلق حلقة لا نهائية من استهلاك المحتوى، حيث يجد المستخدمون صعوبة في الانفصال، مدفوعين بآلة الدوبامين المستمرة. 

هذا الاستهلاك المستمر وغير النقدي لا يؤدي فقط إلى الإرهاق الذهني والإدمان المحتمل، بل يشوه أيضًا تصور المستخدمين للواقع. فمن خلال إعطاء الأولوية للمحتوى المثير، وغير الموثوق به غالبًا، والصور “المثالية” المنسقة التي تُعرض عبر الفلاتر، يصبح من الصعب على الأفراد تمييز الحقيقة من الخيال، مما يعزز حالة القلق وعدم الكفاية الدائمة. 

هذا جانب واحد فقط من القصة، ولكنه يمنحنا خيطا لجانب آخر مختلف تماما؛ إذ يضاف ذلك إلى  “التحيز السلبي” المتأصل في الطبيعة البشرية، حيث يميل البشر لمتابعة أخبار الكوارث والأخبار السلبية التي تُعالج بشكل مختلف في الدماغ وتُحفظ تفاصيلها بشكل أفضل من الأخبار الإيجابية،  هذا التحيز المعرفي يجعل أدمغتنا وقلوبنا وأرواحنا تتلقى الأخبار السلبية أولاً، ونركز بشكل تلقائي على ما يسبب لنا اضطرابًا مخيفًا. 

التعرض المستمر للأخبار السلبية يسبب إفراز الكورتيزول بشكل دائم، وهو هرمون التوتر، مما يؤدي على المدى الطويل إلى التهاب الدماغ، ويزيد من التوتر والقلق والاكتئاب، وهذا يوضح الآلية البيولوجية والنفسية وراء تأثير الأخبار السلبية، ويبرر لماذا يُعد تجنبها ضروريًا للصحة العقلية، وكيف أن الجسم يستجيب لهذه الضغوط بشكل فسيولوجي، إذ يخلق الإجهاد الفسيولوجي المزمن الناتج عن التحيز الدماغي السلبي، والذي يتضخم باستغلال وسائل الإعلام للخوف من أجل النقرات، حلقة مفرغة ذاتية الاستدامة. 

الأفراد، سعيًا للحفاظ على الذات، يلجأون إلى تجنب الأخبار، ومع ذلك، فإن هذا التجنب، بينما يوفر راحة مؤقتة، يحبسهم عن غير قصد في غرف الصدى ويحد من التعرض لوجهات نظر متنوعة، مما يؤدي إلى تفاقم الاستقطاب المجتمعي وانعدام الثقة في وسائل الإعلام، هل تعلم ما هو الغريب في كذ ذلك؟ أنه يحدث نصًا في فترة الميركاتو، ويحدث عكسه أيضًا، كل شئ وعكسه يحدث في تلك الفترة المريبة من الموسم.   

مختبر العقل الجمعي

تُعد أخبار الانتقالات، وخاصة الشائعات، بمثابة مشروب سحري يخلصك من الإرهاق، حيق يرتبط هذا الهوس ارتباطًا وثيقًا بإفراز الدوبامين، وهو ناقل عصبي مرتبط بالمتعة والمكافأة، مما يخلق شعورًا بالإنجاز والفرح حتى لو لم يكن للمشجع دور مباشر في النتيجة، تُشغل الشائعات “دوامة الدوبامين” في أدمغة المشجعين، وتُعد “إدمانًا”، حيث تكمن الطبيعة الإدمانية لأخبار الانتقالات في جدول المكافآت المتقطع وغير المتوقع، على غرار القمار.

المشجعون لا يستهلكون الأخبار فحسب؛ بل ينخرطون في شكل من أشكال “إدمان التنبؤ”، حيث يؤدي التحديث المستمر وتحليل الشائعات، مثل تتبع الرحلات الجوية، وفهم بنود العقود، إلى خلق وهم بالسيطرة أو المعرفة الداخلية، هذا السعي وراء “أي معلومات جديدة” يوفر جرعات من الدوبامين، ليس من الانتقالات الفعلية، بل من التوقع وعملية البحث الدائمة، حتى عندما تكون المعلومات غير موثوقة أو لا معنى لها في النهاية، وهذا يحول التركيز مما يحدث فعلًا إلى لعبة تخمينية، يكون “الفوز” فيها مجرد “معرفة” خالصة أو تأكيد شائعة، بدلاً من نجاح الفريق في الملعب.

ويُعد الخوف من تفويت الشيء (FOMO) محركًا خفيًا وقويًا لهذا الهوس، إذ يُعرف بأنه “قلق منتشر بأن الآخرين قد يمرون بتجارب مجزية ومثيرة أنت غائب عنها”. منصات التواصل الاجتماعي يمكن أن تكثف هذا الشعور، مما يؤدي إلى القلق وزيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل مشابه للإدمان، وفي سياق الرياضة، تعزز تلك الحالة نية مشاهدة الوسائط الرياضية المختلفة ويحفز سلوك الاستهلاك.

الخوف من الفوات في سوق الانتقالات لا يتعلق فقط بفقدان المعلومات؛ بل يتعلق بفقدان العملة الاجتماعية وتعزيز الهوية، إذ يشعر المشجعون بالاضطرار إلى استهلاك الأخبار بشكل قهري للبقاء “على اطلاع” بالمناقشات الاجتماعية، خوفًا من “نقص في الكفاءة” إذا لم يكونوا على دراية بآخر الشائعات. 

هذا السلوك، بينما هو مدفوع بالقلق، يعمق بشكل متناقض “ارتباطهم بالرياضة وتحديد الهوية الجماعية” من خلال تعزيز انتمائهم إلى مجتمع المشجعين، المكافأة الاجتماعية المتصورة للمعلومات (أو الظهور بمظهر المطلع) تفوق التكلفة النفسية للاستهلاك القهري، مما يجعل الخوف من الفوات ضغطًا اجتماعيًا قويًا وذاتي الاستدامة يطمس الخطوط الفاصلة بين الشغف الحقيقي والسلوك القهري المدفوع باحتياجات الهوية.

ولذلك تُشكل أخبار الانتقالات هوية المشجعين وتوقعاتهم بشكل كبير. فدعم الفريق يصبح جزءًا أساسيًا من الهوية الجوهرية للمشجعين، يستمدون منها جزءًا من تقديرهم لذاتهم، ويصبح الفريق امتدادًا للذات، وهذا يربط المتابعة النهمة مباشرة بالجانب النفسي العميق للهوية والانتماء، وكيف يمكن أن تتأثر هذه الجوانب بتدفق المعلومات غير المؤكدة، مما يؤدي في النهاية إلى توقعات غير واقعية، ومع فشل التوقع، تسوء الحالة النفسية للإنسان. 

فبينما يلبي تشجيع الرياضة بطبيعته حاجة بشرية أساسية للانتماء والهوية، فإن الاستهلاك القهري لأخبار الانتقالات، المدفوع بالدوبامين والخوف من الفوات، يخاطر بتحويل هوية المشجع الأصيلة إلى هوية استهلاكية وتسيلعية، وبدلاً من استمداد المعنى من الفرحة باللعبة، يصبح المشجعون مهووسين بالأحداث الخارجية والتكهنات، مما يحول التشجيع إلى سعي سطحي للحصول على التحقق الخارجي أو الإلهاء بدلاً من الارتباط الحقيقي بالرياضة. 

ببساطة، انت توهم نفسك بأنك مشجع، ولكنك لست كذلك، بل انت مقهور، ومضطر، وعاجز عن السيطرة على ناقلاتك العصبية، كلام صعب ومر طعمه، حسنًا، لا بأس من ذلك؛ فهو في النهاية له سند ما. 

دائرة الوهم

يمكن فهم الانغماس الشديد في أخبار الانتقالات في المنظور الفلسفي، فيمكن أن يكون محاولة  لملء فراغ وجودي أو هروبًا من الملل، وينشأ الملل عندما لا توجه طاقتنا إلى منفذ يوفر المعنى أو الإشباع، إذ  تؤكد الفلسفة الوجودية على أن البشر يحددون معناهم الخاص في عالم قد يبدو عبثيًا، ولذلك قد يستخدم المشجعون الرياضة كطريقة لملء “فراغ داخلي”.

وفي عالم يُنظر إليه على أنه عبثي بشكل متزايد أو يفتقر إلى المعنى المتأصل، وحيث يؤدي التحفيز الرقمي المستمر بشكل متناقض إلى زيادة الملل من خلال تقديم محتوى مجزأ ومجتزأ وسريع، يصبح الاستهلاك القهري لأخبار الانتقالات آلية متاحة بسهولة، وإن كانت غير مُرضية في النهاية، لـ “صنع المعنى”. 

يبني المشجعون روايات حول الانتقالات، ويسقطون الآمال والمخاوف على اللاعبين والأندية، كوسيلة لإضفاء شعور بالهدف والإثارة على حياتهم، ومع ذلك، فإن هذا المعنى غالبًا ما يكون وهميًا، مبنيًا على “ترفيه” تخميني بدلاً من معلومات قابلة للتنفيذ، مما يؤدي إلى مشاركة سطحية تفشل في معالجة أزمة الوجود الأعمق، مما يحبس المشجعين في حلقة من الدراما المصطنعة بدلاً من الإشباع الأصيل للحاجة.

وتطرح هذه الظاهرة تساؤلاً حول طبيعة العلاقة بين المشجع والرياضة في العصر الحديث، وهل تحولت من علاقة شغف إلى علاقة استهلاكية بحتة، فقد أصبحت كرة القدم “مولد معلومات عالمي يغذي مليار إبهام جائع بوجبة لا نهائية من المحتوى، كما تُعامل الأندية اللاعبين كـأصول قابلة للتداول، وهناك دائمًا “تحيز معرفي” يجعل تركيزنا منصب على الأخبار السلبية، كل ذلك يطرح تساؤلاً حول طبيعة العلاقة بين المشجع والرياضة في العصر الحديث، وهل تحولت من علاقة شغف إلى علاقة استهلاكية بحتة، حيث يصبح المشجع مستهلكًا للمعلومات أكثر من كونه عاشقًا للعبة.

ما يُسمى “ملء الفراغ” عبر أخبار الانتقالات هو في الحقيقة بناء سجن للوعي تحت شعار الحرية، الفلسفة الوجودية محقة في تشخيص الفراغ المعاصر، لكن تحويل أخبار الانتقالات إلى “بديل”، يخلق وهمين متلازمين: الأول: أن الملل مشكلةٌ يجب قتلُها فورًا، بينما هو في الحقيقة مساحة للتأمل، والثاني: أن المعنى يُستورد من الخارج عبر أخبار الصفقات، بينما هو يُبنى من الداخل، هنا يصبح المشجع كمن يشرب ماءً مالحًا ليروي عطشه، كلما زاد استهلاكه للأخبار التخمينية، ازدادت عزلته عن جوهر اللعبة.

آلة الوهم الدائرية تلك تنسج عبر ثلاث مراحل: 

المرحلة الأولى: صنع دراما مفتعلة (على سبيل المثال ظللنا لمدة ثلاث سنوات نسمع أن ريال مدريد قريب من مبابي قبل إتمام الصفقة فعلًا). 

المرحلة الثانية: تحويل المشجع إلى كاتبٍ مشاركٍ في السيناريو يتحمس، ويغضب، ويتكهن. 

المرحلة الثالثة: إفراغ الحدث من مضمونه (عندما يحدث الانتقال، تبدأ دورة أخبار جديدة). 

هذه الحلقة، تستبدل الواقع بـ”الواقع المفرط” (Hyperreality): حيث تصبح الإشاعة أكثر “حقيقة” بينما يتحول اللاعب نفسه إلى سلعةٍ في سوق التخمينات، المشكلة الأعظم أن “دائرة الوهم” تُنتج إدمانًا يبنى في الأساس على خيبة الأمل، الوهم الصغير يمكن في اعتقادك أن الصفقة ستُصلح مسار فريقك، والوهم الوهم هو في ظنك أن متابعة 100 تغريدة يوميًا يعطيك تحكمًا ما في مصير الفريق الحالي. 

وهذا يخلق “استلابًا رياضيًا” (Sportive Alienation)، مصطلحٌ مستوحى من ماركس، حيث ينفصل المشجع عن جوهر التجربة الكروية (المتعة، والجمال، والجماعة) ليصبح مجرد “مدير بيانات” يلهث وراء إشباعٍ وهمي، ولكن إذا كانت كرة القدم الحديثة قد حوّلت الملعب إلى “سوبرماركت عواطف”، وأصبحت أخبار الانتقالات “أفيون الجماهير الجديد”، فهل نستطيع كسر دائرة الوهم دون التخلي عن حب اللعبة نفسها؟ أم أن خلاصنا يكمن في إعادة تعريف “الشغف” بعيدًا عن استهلاك الهلاوس الرقمية؟ 

 
 
 
 
 
عرض هذا المنشور على Instagram
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎365Scoresarabic‎‏ (@‏‎365scoresarabic‎‏)‎‏

دليل المشجع الواعي

لمواجهة الآثار السلبية للمتابعة النهمة لأخبار الانتقالات، يمكن للمشجعين تبني استراتيجيات واعية تساعدهم على استعادة السيطرة على استهلاكهم للمعلومات والحفاظ على صحتهم النفسية، مثل: 

  1. التحكم في تدفق المعلومات: لتقليل إرهاق الأخبار، يُنصح بشدة بالحد من التعرض للأخبار السلبية، يمكن تحقيق ذلك عن طريق تعيين أوقات محددة لمتابعة الأخبار، والالتزام بها بصرامة، يمكن للمشجعين أيضًا استخدام تطبيقات تتبع وتقييد وقت الشاشة، والتي توفر رؤى حول عادات الاستخدام وتساعد على فرض قيود ذاتية، هذه الإجراءات عملية ومباشرة، وتمكن المشجع من استعادة السيطرة على استهلاكه للمعلومات بدلاً من أن يكون مستهلكًا سلبيًا، مما يُقلل من التعرض للمحفزات المسببة للقلق.

ونظرًا لأن المنصات الرقمية مصممة عمدًا لتعزيز سلوكيات الإدمان واستغلال نقاط الضعف، فإن مجرد “محاولة التوقف” غالبًا ما يكون غير كافٍ، تكمن الفكرة الأساسية هنا في استعادة السيطرة على العقل من خلال استراتيجيات واعية ومدروسة، من خلال تطبيق الحدود الرقمية، ولا يقتصر الأمر على تقييد وقت الشاشة فحسب؛ بل إن المشجعين يعطلون “دورة الدوبامين” ويقاومون ميزات التصميم المتلاعبة، هذا التحول من الاستهلاك السلبي إلى الإدارة النشطة هو خطوة حاسمة في تحويل عادة قد تكون ضارة إلى تفاعل أكثر وعيًا وتحكمًا مع المعلومات، مما يسمح بـ “إعادة الشحن” مرة أخرى. 

  1. ممارسة اليقظة الذهنية: تُقدم اليقظة الذهنية (Mindfulness) أداة قوية للتعامل مع القلق الناتج عن الأخبار، بتحويل الانتباه من المستقبل المجهول (الانتقالات) إلى الحاضر، مما يعزز الهدوء الداخلي، تساعد اليقظة الذهنية على تقليل التوتر وتحسين التركيز. وتتضمن ممارستها التركيز على اللحظة الحالية، وملاحظة ردود الفعل الجسدية والعاطفية دون حكم مسبق، ويمكن أن تساعد هذه الممارسة في الهروب من الدوامة المستمرة للأفكار التي تغذيها الشائعات والتكهنات.

حيث تخلق الطبيعة التخمينية المستمرة لأخبار الانتقالات، جنبًا إلى جنب مع التحيز السلبي لوسائل الإعلام، أرضًا خصبة لـ “التمرير السلبي للأفكار” والقلق المزمن، حيث يكون العقل محاصرًا باستمرار في حلقة من سيناريوهات “ماذا لو”، ولذلك تعمل اليقظة الذهنية كترياق مباشر لذلك من خلال تدريب العقل على العودة إلى اللحظة الحالية، وبالتالي كسر حلقة الاجترار والقلق التخميني، وتسمح للمشجعين بالانفصال الواعي عن “جحيم” ضخ الأخبار المستمر وإعادة تركيز أنفسهم، وتحويل عادة الاستهلاك السلبي والمسببة للقلق إلى ممارسة نشطة ومنظمة ذاتيًا تعزز الرفاهية العقلية وتجعل التجربة أكثر واقعية. 

  1. إعادة اكتشاف متعة كرة القدم بعيداً عن الضجيج: يجب على المشجعين توجيه انتباههم نحو الجوانب الإيجابية والأصيلة لكرة القدم التي قد تُنسى في خضم هستيريا الانتقالات، وإعادة التأكيد على قيمة التواصل البشري، توفر الرياضة إحساسًا قويًا بالانتماء للمجتمع، والمشجعون السعداء غالبًا ما يكونون جزءًا من مجتمع من المشجعين الآخرين، حيث يجدون الدعم والاحتفال المشترك. كرة القدم هي “مركب للانخراط في أشياء كثيرة لا ننخرط فيها بسهولة في حياتنا اليومية، مثل التعبير عن المشاعر بحرية والتواصل مع شيء أكبر من الذات في مكان آمن.

لذلك، يجب على المشجعين التركيز على الجوانب المجتمعية لكرة القدم، مثل حضور المباريات، أو الانخراط في النقاشات الهادفة مع مشجعين آخرين، أو حتى ممارسة الرياضة بأنفسهم، هذا يعني أن دور المشجع ليس محاولة التخطيط الذهني للسنوات الخمس القادمة للنادي، بل بالاستمتاع باللعبة في اللحظة الحالية، من خلال إعادة ترتيب الأولويات نحو القيمة الجوهرية للرياضة والتواصل البشري، بعدها يمكن للمشجعين استعادة المتعة الأصيلة لكرة القدم من خلال تجربة تشجيع أكثر صحة وإشباعًا.

لقد حان الوقت لاعترافٍ صادق: “tik tak” ليست مجرد جملة، بل صافرة إنذارٍ لنظامٍ استهلاكي حوَّل شغفك بالكرة إلى سلعةٍ رقمية، تلك العبارة السحرية، التي تُحرك الأسواق وتُلهب مخيلتك، هي ذروة احتكار الحقيقة في عصر الكذب،والخلاص يبدأ عندما تدرك أن “فابريزيو رومانو” وأقرانه ليسوا أوصياء على الحقيقة، بل وسطاء في سوق الوهم، حيث تُباع الأحلام بالتغريدة وتُشترى الخيبات بالإعجاب. 

إضرابك المؤقت عن المتابعة ليس هروبًا، بل تمردٌ على آلةٍ صُممت لسرقة جوهر متعتك: لحظة الصفارة الأولى في الملعب، ذلك الهدف المتأتي من عبقريةٍ غير متوقعة، وصوت الهتاف الجماعي الذي يهز المدرجات، وعندما تُطفئ شاشة الهاتف، تُضيء شيئًا أغلى: حريتك في أن تكون مشجعًا لا مُدوِّن بيانات.

محمود ليالي

كاتب وصحفي رياضي مصري من مواليد 1999، مهتم بالتحليل الرياضي خاصة الكروي، والجوانب الاحصائية والتكتيكية والخططية المتعلقة به، بالإضافة لمساحات الالتماس مع الاجتماع والسياسة والحياة، كتب لعدة مواقع مصرية وعربية مثل الجزيرة نت وميدان ورصيف22 ومواطن وألترا صوت، وشاعر صدر له ديوان "البقايا" عام ٢٠٢٣.