لماذا لعب فيكاريو حارس مرمى توتنهام الضربة الحرة أمام باريس سان جيرمان؟

في مشهد غير معتاد خلال مباراة كأس السوبر الأوروبي 2025 بين باريس سان جيرمان الفرنسي وتوتنهام الإنجليزي، قرر المدير الفني لفريق توتنهام توماس فرانك أن يتولى الحارس الإيطالي جوليلمو فيكاريو تنفيذ ضربة حرة من موقع متقدم، بعد خط منتصف الملعب بقليل.
توماس فرانك بدا موفقًا في هذا القرار، حيث أسفرت اللعبة في النهاية بعد عدة تمريرات إلى هدف توتنهام الأول في اللقاء الذي انتهى بالتعادل الإيجابي بهدفين مقابل هدفين في وقته الأصلي، ثم فوز باريس سان جيرمان في ركلات الترجيح بنتيجة 4-3.
بالنسبة للكثيرين، هذا القرار بدا غريبًا، فالمعتاد أن ينفذ هذه الكرات لاعب من الدفاع أو الوسط، خاصة مع موقع الركلة الحرة المتقدم بعد خط منتصف الملعب، لكن بالنسبة لفرانك، الأمر ليس صدفة ولا مغامرة، بل جزء من خطة مدروسة تمتد جذورها إلى سنوات سابقة، اعتاد المدير الفني الدنماركي تنفيذها مع فريقه السابق برينتفورد الإنجليزي.
إرث توماس فرانك بدأ مع برينتفورد وديفيد رايا
حين كان توماس فرانك يقود برينتفورد، أضاف دورًا جديدًا لأدوار حارس المرمى، فلم يعد الحارس مجرد لاعب يتصدى للكرات ويحافظ على الشباك، ولا تقتصر مهامه على وظائف تُنفذ باليدين فقط، بل أحد صناع الألعاب المتأخرين في الفريق، وأحد اللاعبين القادرين على بدء الهجمات وربما تحويل مسار المباراة بلمسة سحرية.

ديفيد رايا، الحارس الإسباني الذي لعب تحت قيادة توماس فرانك في برينتفورد قبل انتقاله إلى أرسنال منذ عامين، كان مثالًا حيًا لهذا الفكر. فرانك اعتمد عليه ليس فقط في الكرات القصيرة لبناء اللعب من الخلف، بل في الكرات الطويلة الموجهة إلى الثلث الهجومي، من مواقف ثابتة أو متحركة وحتى من منتصف الملعب، ليس فقط من منطقة جزائه.
الأرقام من موسم 2022-2023 في الدوري الإنجليزي تكشف مدى تأثير رايا في بناء الهجمات مع برينتفورد تحت قيادة توماس فرانك:
- 66% من تمريرات رايا كانت طويلة، وهو سادس أعلى معدل بين حراس الدوري الإنجليزي الممتاز في ذلك الموسم.
هذا الرقم يوضح أن فرانك كان يعتمد على رايا كنقطة بداية للهجمات المباشرة نحو مرمى الخصم، بدلًا من الاكتفاء بالتمريرات القصيرة من الخلف. النسبة العالية تشير إلى ثقة المدرب في رايا وكراته الطولية، كما توضح أن برينتفورد كان فريقًا يلعب بشكل مباشر ويبحث عن الوصول السريع لمناطق الخصم.
- وصلت دقة تمرير رايا في هذه الكرات الطويلة إلى 42%، وهي نسبة مميزة مقارنة ببقية الحراس.
اللعب المباشر لا ينجح إلا إذا كانت الكرات الطويلة دقيقة، و42% تعني أن نصف هذه التمريرات تقريبًا تصل لزميل ولا يتمكن الخصم من إيقافها، ما يزيد من فرص التحول الهجومي السريع وإرباك دفاع الخصم.
- صنع رايا 9 فرص ثانوية للتسجيل (التمريرة التي تسبق صناعة الفرصة)، وهو رقم أكثر بأربع فرص من أي حارس آخر في الدوري الإنجليزي الممتاز في ذلك الموسم.
هذا الرقم يعكس أن دور رايا لم يكن ينتهي بمجرد إرسال الكرة، بل أن تمريراته كانت تدخل بشكل مباشر في بناء الهجمات التي تتحول إلى فرص محققة، وهو مؤشر على توجيه الكرات لمناطق خطيرة.

- مرر رايا 22 تمريرة تقدمية، أكثر بـ 16 تمريرة من أي حارس آخر في الدوري.
التمريرات التقدمية تعني إيصال الكرة إلى مناطق أقرب لمرمى الخصم، وهذا يظهر أن رايا كان أشبه بلاعب وسط إضافي في عملية التوزيع، ما يسمح للفريق بكسر خطوط الخصم بتمريرة واحدة.
الأكثر لفتًا للنظر في هذه الإحصائية هو أن رايا يتفوق بفارق كبير عن أي حارس مرمى آخر في ذلك الموسم في الدوري الإنجليزي، ما يعني أن فريق برينتفورد كان يمتلك لاعب إضافي مؤثر أكثر من أي فريق آخر.
- شارك رايا في 1,195 سلسلة لعب مفتوح، وهو الرقم الأعلى على الإطلاق بين جميع الحراس.
هذا الرقم يؤكد أن فرانك كان يريد رايا مشاركًا باستمرار في اللعب، سواء لبناء الهجمات أو لإعادة تدوير الكرة، ما يرفع من سيطرة الفريق على إيقاع المباراة ويجعل الحارس جزءًا أساسيًا من المنظومة الهجومية.
أفكار توماس فرانك حول أدوار حارس المرمى
هذه الأرقام تعكس فلسفة أساسية لدى توماس فرانك، تقوم على زيادة دور حارس المرمى في كرة القدم الحديثة، فبالنسبة له، الحارس ليس مجرد خط الدفاع الأخير، بل لاعب إضافي يبدأ الهجمة من اللحظة الأولى بعد استعادة الكرة، ويشارك في تدوير الكرة وصناعة الفرص مثل باقي زملائه.
توماس فرانك يركز على أن يكون حارسه مؤثرًا في بناء اللعب وتدوير الكرة، ليس فقط بتمريرات قصيرة آمنة، بل بتمريرات طويلة موجهة لزملائه من أجل كسر خطوط الخصم في لحظة، وصنع تحولات هجومية سريعة.

هذه الفكرة تمنح فريقه ميزة هجومية إضافية، لأن الخصم لا يتوقع أن تأتي التمريرة الحاسمة أو التقدمية من حارس المرمى، ما يخلق عنصر مفاجأة ويجبر الفرق المنافسة على إعادة التفكير في طريقة لإيقافها، وبذلك، يصبح الحارس تحت قيادة توماس فرانك جزءًا أساسيًا ومؤثرًا في المنظومة الهجومية.
من رايا إلى فيكاريو: الإرث مستمر وإعادة إنتاج الفكرة
عندما انتقل فرانك إلى قيادة توتنهام، كان من الطبيعي أن يحمل معه نفس الفلسفة، ويسعى لتطبيق نفس الأفكار، ما يساعده في هذا هو أن فيكاريو يتمتع بقدرات تمرير جيدة ورؤية جيدة للملعب، وبالتالي من السهل أن يصبح الوريث الجديد لهذا الأسلوب.
في لقطة الهدف الأول ضد باريس سان جيرمان، تقدّم فيكاريو لتنفيذ الضربة الحرة وكأنها تمرين محفوظ من الحصص التدريبية، وأرسل كرة طويلة متقنة إلى منطقة متقدمة، لتتحول بسرعة إلى فرصة ثم هدف توتنهام الأول، الذي أحرزه المدافع فان دي فين.
هذه اللعبة ليست مجرد لقطة فنية، بل ربما رسالة تكتيكية لباقي أندية الدوري الإنجليزي، مفادها أن حارس مرمى توتنهام ليس فقط خط الدفاع الأخير، بل أول من يبدأ الهجمات، وعنصر مؤثر في صناعة الفرص.
إذا كان هذا ما يفعله فرانك في مباراة نهائية أوروبية ضد العملاق باريس سان جيرمان، بطل أوروبا، ووصيف كأس العالم للأندية 2025، فمن المؤكد أننا سنرى مشاهد مشابهة في البريميرليج هذا الموسم، وبالتالي على أندية إنجلترا الحذر من هذه الأفكار المباغتة من توماس فرانك، الذي يحول الحارس من آخر لاعب في الملعب، إلى أول مفاجأة في الخطة.