أرسنالالدوري الإنجليزيتقارير ومقالات خاصة365TOP

كيف سيؤثر جيوكيريس على تشكيل أرسنال؟

كانت المواسم الأخيرة لـ أرسنال تحت قيادة ميكيل أرتيتا تتسم بتناقض تكتيكي لافت للنظر، فمن ناحية، كان الفريق يسيطر على المباريات بأسلوب استحواذ يعتمد على السيطرة على الكرة والتمرير، وهو ما يُعرف بـ”السيطرة العقيمة” (sterile control)، حيث تشير الإحصائيات إلى أن أرسنال كان يمتلك متوسط استحواذ يصل إلى 68% ويكمل حوالي 564 تمريرة في المباريات التي لم يتمكن من الفوز بها ضد الفرق ذات التكتل الدفاعي المنخفض. 

وعلى الرغم من هذا التحكم المطلق في الكرة، كان الفريق يعاني بشدة في تحويل هذه السيطرة إلى أهداف، حيث سجل 10 أهداف فقط في 10 مباريات من أصل 18 مباراة لم يفز بها ضد هذا النوع من الدفاعات.  

السبب الرئيسي وراء هذا العجز الهجومي يكمن في غياب مهاجم تقليدي متخصص في منطقة الجزاء، فالمهاجمون من نوعية جابرييل خيسوس وكاي هافرتز، رغم مرونتهم وقدرتهم على الربط واللعب خارج منطقة الجزاء، كانوا يميلون إلى الابتعاد عن منطقة الست ياردات أثناء مرحلة اللعب الأخيرة، مما يتركها فارغة في كثير من الأحيان أمام العرضيات والكرات الحاسمة، وبالتالي كان هذا النقص أشبه بـ”القطعة المفقودة” في أحجية أرتيتا الهجومية، مما جعل أرسنال يتراجع إلى المركز الثاني في ثلاثة مواسم متتالية.

في هذا السياق، لم يكن التعاقد مع فيكتور جيوكيريس مجرد إضافة لاعب آخر إلى التشكيلة، بل كان حلًا استراتيجيًا مستهدفًا، قيمة الصفقة التي بلغت 63.5 مليون يورو ثابتة مع 10 ملايين يورو كإضافات تؤكد القناعة التامة لدى إدارة أرسنال بأن جيوكيريس هو اللاعب القادر على سد هذه الثغرة الهجومية. 

وهو ما تؤكده تصريحات ميكيل أرتيتا نفسه، التي وصف فيها المهاجم السويدي بأنه “تعاقد أرسنال الرئيسي”، ما يعني جيوكيريس لا يُنظر إليه كخيار بديل، بل كعنصر أساسي في إعادة تشكيل الهجوم، هذا الانتقال من الاعتماد على مهاجمين “مرنين” إلى التعاقد مع مهاجم متخصص في منطقة الجزاء يمثل تحولًا فلسفيًا واضحًا في نهج أرتيتا الهجومي، وتغيير واضح في طريقة وفلسفة عمل المهاجم نفسه.

جوهر العنفوان لـ فيكتور جيوكيريس

لتحديد تأثير فيكتور جيوكيريس على أرض الملعب، يجب أولًا تفكيك جوهر صفاته، ولعل أفضل تعبير عن هذه الصفات يأتي من صك مصطلح “العنفوان”، وعنفوان الشيء أَوله، فيقال هو في عنفوان شبابه أي في ريعانه، وتأتي بمعنى الزهو والغطرسة، فيقال: جاء في عنفوانه، أي جاء متغطرسًا، وتلك هي أبرز ميزات جيوكيريس، لا يمرر إلى الخلف، لا يسقط، لا يتردد في التسديد من أي وضعية وبقوة كبيرة. 

وغالبًا ما يستخدم باطن القدم في تسديداته، مما يجعلها صواريخ يصعب على حراس المرمى توقعها أو صدها، كما أنه يمتلك إحساسًا استثنائيًا بالمكان والمسافة، حتى أنه لا يرفع عينه عن الكرة حتى لحظة التسديد، ودائمًا تأتي تسديدته متقنة، وبالتالي فهذا المصطلح يتجاوز مجرد القوة البدنية ليصف مزيجًا فريدًا من الهيمنة الجسدية، والصلابة الذهنية، والإرادة التي لا تلين للفوز. 

ويظهر هذا المزيج بوضوح في طريقة لعبه التي تجمع بين القوة والذكاء، من الناحية البدنية، يمتلك جيوكيريس بنيانًا جسديًا قويًا، صحيح أنه ضعيف في الكرات الهوائية، ولكن البنيان القوي أيضًا يجعله صعب في سباقات السرعة والتحولات، كما يتميز بتسارع كبير بالكرة يجعله من الصعب السيطرة عليه عندما ينطلق خلف المدافعين، لكن ما يميزه حقًا هو إرادته القوية التي لا تعرف اليأس، إذ يواصل الجري السريع كالقطار لمدة 90 دقيقة بلا كلل. 

هذا “العنفوان” يتحول إلى أداة تكتيكية بحد ذاتها، فإرادته التي لا تستسلم ترهق المدافعين وتجبرهم على ارتكاب الأخطاء ضده لإبطاء حركته، هذا السلوك، النابع من عقليته، يخلق فرصًا لم تكن ممكنة لولا هذا الجهد المتواصل. 

وبالتالي، فإن العنفوان هنا ليس مجرد صفة شخصية، بل هو عامل أساسي يساهم في الفعالية الهجومية للفريق، وعلى الرغم من أن بعض المحللين يشيرون إلى أن مهاراته التقنية ليست أصيلة، إلا أن إرادته القوية ومجهوده البدني يعوضان هذا القصور بشكل كبير، مما يجعله كابوسًا جميلاً  للمدافعين الذين لا يمكنهم التنبؤ بتهديده من خلال المهارات الفردية وحدها.

ويمكن قياس هذا المفهوم غير الملموس من خلال البيانات الكمية، حيث تعكس الإحصائيات المتعلقة بالجري بالكرة وطلب التمريرات مدى إصراره على التقدم وتواجد في مناطق خطرة، إذ تشير الأرقام المرتفعة بشكل استثنائي في الجري بالكرة واستلام التمريرات المتقدمة إلى أن جيوكيريس يمتلك إرادة لا تكل للتقدم وطلب الكرة، وهو ما يتوافق تمامًا مع تعريف “العنفوان”.

مقياس الأداء (لكل 90 دقيقة)النسبة المئوية (%)
الجري المتقدم بالكرة (Progressive Carries)97
استلام التمريرات المتقدمة (Progressive Passes Rec)97
الالتحامات الأرضية الناجحة (Ground Duels Won)55
الالتحامات الهوائية الناجحة (Aerials Won)12

تفكيك دقيق

يمتلك جيوكيريس مجموعة من نقاط القوة التي تجعله مهاجمًا من الطراز الرفيع، ولكن لديه أيضًا بعض الجوانب التي تحتاج إلى تطوير، إذ تشتمل نقاط القوة الرئيسية على: 

  1. تحويل الفرص: يتميز جيوكيريس بكفاءة استثنائية أمام المرمى، حيث تفوق على الأهداف المتوقعة (xG) بهامش كبير (+8.2)، مما يضعه في مصاف الهدافين العالميين.  
  2. الحركة بدون كرة: يتمتع بذكاء كبير في حركته، حيث يستغل “النقطة العمياء” للمدافعين، مما يسمح له بالانفصال عن المراقبة وشن هجمات عمودية بفاعلية. 
  3. الضغط ومعدل العمل: يُعد جيوكيريس جيدًا للغاية في الضغط، يقطع خطوط التمرير ويستخدم قوته لإجبار المدافعين على ارتكاب الأخطاء، مما يجعله تهديدًا دائمًا في المناطق المتقدمة.  
  4. الجري بالكرة (Ball-Carrying): على الرغم من كونه مهاجمًا تقليديًا، إلا أنه يتفوق في حمل الكرة لمسافات طويلة في الهجمات المرتدة، مستخدمًا قوته وسرعته لاختراق دفاعات الخصم.  

ولكن بما أن كل منظومة تحمل داخلها جرثومة سقوطها، فهناك بعض العيوب في أسلوب الرجل أيضًا، يمكن إجمالها في التالي: 

  1. اللعب بالكرة (Ball-Playing): قدرته على التمرير واتخاذ القرار تحت الضغط قد تكون غير متسقة، وأحيانًا يتباطأ في التخلص من الكرة في المساحات الضيقة، مما قد يقطع انسياب الهجوم، ومع ذلك، فإن معدل عمله العالي يعوض هذا القصور، حيث يستعيد الكرة بسرعة بعد فقدانها.
  2. الالتحامات الهوائية: تظهر الإحصائيات أن جيوكيريس سئ للغاية في الالتحامات الهوائية مقارنةً بمهاجمي الدوريات الخمس الكبرى. 
  3. التكيف مع الوتيرة: أظهرت مبارياته الأولى مع أرسنال ضد مانشستر يونايتد وليدز بعض اللمسات الثقيلة والاندفاع الزائد، مما يشير إلى أنه يحتاج إلى وقت للتكيف مع سرعة وقوة الدوري الإنجليزي الممتاز. 

وتوضح المقارنة الإحصائية التالية بين جيوكيريس وزميليه في خط الهجوم، جابرييل جيسوس وكاي هافرتز، أن جيوكيريس ليس مجرد “نسخة أفضل” من مهاجمي أرسنال الحاليين، بل هو “نوع مختلف” من المهاجمين فقط. 

المقياس (لكل 90 دقيقة)جيوكيريسهافرتزجيسوس
الأهداف غير الجزائية0.540.450.31
لمسات في منطقة الجزاء الهجومية5.945.306.80
الجري المتقدم بالكرة3.911.402.09
الالتحامات الهوائية الناجحة0.672.991.47
الاعتراضات0.000.230.63

يُظهر الجدول أن جيوكيريس يتفوق بشكل واضح في الجري بالكرة (عنصر رئيسي في عنفوانه) ومعدل التهديف، بينما يتخلف عن هافرتز وجيسوس في الالتحامات الهوائية والاعتراضات، مما يؤكد أنه مهاجم متخصص في التقدم الهجومي والتهديد المباشر، وأقل اهتمامًا بالنزول عميقًا للعب من داخل الاستحواذ. 

مخطط أرسنال

سيكون دور جيوكيريس في أرسنال بمثابة نقطة محورية في خطة أرتيتا الهجومية، حيث سيعمل كمهاجم رقم 9 تقليدي، ولكن بخصائص فريدة تخدم النظام الجماعي للفريق. وعلى عكس جابرييل جيسوس وكاي هافرتز الذين يميلون إلى النزول عميقًا أو الانجراف نحو الأطراف، سيحافظ جيوكيريس على مركزه المتقدم في الملعب، مما يمدد خط الدفاع الخصم ويخلق مساحة للزملاء المتقدمين في أنصاف المساحات.

فما يميز جيوكيريس بشكل خاص هو ما يمكن تسميته بـ الجاذبية نحو منطقة الجزاء (Six-yard-box gravity)، ففي حين كان مهاجمو أرسنال في المواسم الماضية يفتقرون إلى التواجد في هذه المنطقة، يمتلك جيوكيريس متوسط 1.29 لمسة في منطقة الست ياردات لكل 90 دقيقة، مما يجعله تهديدًا حقيقيًا للفرص السانحة داخل منطقة الجزاء، خاصة أثناء التحولات، باعتباره دائمًا ما يسبق المدافعين بخطوة أو اثنتين. 

ولكن هذا لا يعني أن تأثيره سيقتصر على منطقة الجزاء فقط، بل سيُحدث تآزرًا هائلًا مع بقية لاعبي خط الهجوم، فحركته التي تخلي المساحات (lane-vacating magnetism) في القناة اليمنى ستسحب المدافع الأيمن للخارج، مما يعيد فتح المساحة “العمياء” التي يحب أوديجارد العمل فيها، كما أن وجوده سيخفف من الحمل الواقع على بوكايو ساكا، الذي كان يواجه في كثير من الأحيان اثنين أو ثلاثة مدافعين بمفرده، وتحريره يعني أنه سيكون أكثر فعالية.

أما على مستوى الشراكات الهجومية، فإن وجود جيوكيريس سيخلق توافقًا تكتيكيًا مثيرًا للاهتمام مع ديكلان رايس، فقوة جيوكيريس وظهره للمرمى تسمح لرايس بالاندماج معه في مساحات ضيقة، مما يفتح مسارات عمودية لأوديجارد على الجهة المقابلة، كما أن ضغطهما المنسق على الخصم سيسمح لأرسنال باستعادة الكرة في مناطق متقدمة، مما يمثل ترقية كبيرة في النظام الدفاعي الهجومي.

كما أن استخدام أرتيتا لجيوكيريس كـ(target man) لن يقتصر على الكرات الطويلة فقط، بل يمتد ليشمل الربط والتحرك، مما يضيف بُعدًا جديدًا لأسلوب أرسنال الذي كان يعتمد بشكل كبير على الكرات الأرضية، ويمنحه القدرة على شن هجمات مرتدة سريعة وقوية، ولعل الأمر الأهم هو أن التكيف المطلوب لن يقع على عاتق جيوكيريس وحده، فكما صرح أرتيتا: “علينا أن نبذل جهدًا أيضًا لفهمه” ، مما يشير إلى أن أرسنال سيغير من أسلوبه نحو السرعة والتحولات ليناسب إمكانياته، وليس العكس.

 الإجراءات الدفاعية المضادة

لإبطال فعالية جيوكيريس، يمكن لأندية الدوري الإنجليزي أن تتعلم من الاستراتيجيات التي استخدمها الخصوم في الدوري البرتغالي، حيث أوضح كارلوس كارفالهال، المدير الفني السابق لنادي براجا، أن الحركة المفضلة لجيوكيريس هي “التحرك من المركز إلى الجناح الأيسر ثم العودة بسرعة شديدة”،  ولإبطال هذه الحركة، ركزت فرقته على الحفاظ على التوازن في الجانب الأيمن من الملعب، حيث درب الظهير الأيمن على عدم الانجراف نحو الطرف، مما يجبر جيوكيريس على مواجهته بشكل مباشر بدلاً من إيجاد مساحة فارغة.  

كما أكد روبن فرنانديز، القائد السابق لفريق جيل فيسنتي، على ضرورة عدم ترك جيوكيريس بمفرده أبدًا، وتخصيص اثنين أو ثلاثة لاعبين لمراقبته بشكل خاص، نظرا هذا النهج الجماعي هو السبيل الوحيد لاحتواء تهديده المستمر، وفي نفس السياق، ذكر الحارس كيوين سيلفا من نادي موريرنس أنهم كانوا يضطرون غالبًا إلى ارتكاب الأخطاء لإيقافه وإبطاء حركته، حسنًا، العنفوان مرةً أخرى، القوة والسرعة، الرجل لا يسقط إلا بارتكاب خطأ ضده، هذا هو التعريف الحقيقي لتلك الكلمة.  

لكن السؤال يبقى حول مدى فعالية هذه الاستراتيجيات في الدوري الإنجليزي الممتاز، فربما يكون  الأمر أصعب على جيوكيريس في إنجلترا بسبب القوة البدنية للمدافعين هناك، مما سيضع عنفوانه على محك حقيقي. 

ومع ذلك، فإن الإستراتيجية الدفاعية ضد جيوكيريس ليست في رقابته رجل لرجل أبدًا، بل هي إستراتيجية جماعية تستلزم تغييرًا في توازن الفريق بأكمله. فإذا سُحب المدافع للخارج لملاحقته، ستفتح مساحات جديدة في العمق، وهذا هو الهدف من حركة جيوكيريس أصلًا، هذا يعني أن إبطال مفعوله يتطلب تضحيات تكتيكية من الفريق المنافس.  

وبالتالي يمكن القول إن جيوكيريس هو بالفعل “القطعة المفقودة” في أحجية أرسنال، بل وربما يكون الكابوس الجميل الذي سيجبر الخصوم على إعادة تقييم استراتيجياتهم الدفاعية، والمهاجم الذي قد ينهي فترة جفاف أرسنال، بداية لحقبة جديدة يسعى فيها أرسنال ليس فقط إلى السيطرة على المباريات، بل إلى الفوز بها بصلابة وفعالية.

محمود ليالي

كاتب وصحفي رياضي مصري من مواليد 1999، مهتم بالتحليل الرياضي خاصة الكروي، والجوانب الاحصائية والتكتيكية والخططية المتعلقة به، بالإضافة لمساحات الالتماس مع الاجتماع والسياسة والحياة، كتب لعدة مواقع مصرية وعربية مثل الجزيرة نت وميدان ورصيف22 ومواطن وألترا صوت، وشاعر صدر له ديوان "البقايا" عام ٢٠٢٣.