إنتر مياميالأرجنتينتقارير ومقالات خاصةالنصر

ميسي ورونالدو – قائد محبوب بلا شروط وآخر منبوذ بعقل الأنا

تشتد المنافسة بين ميسي ورونالدو، وربما تهدأ قليلًا، لكن جماهيرية الثنائي تبقيها مشتعلة، رغم خروجهما من أوروبا وتراجع أسهمهما في الحصول على الجوائز الفردية.

تكمن قصة أعمق من مجرد لمسات ساحرة على المستطيل الأخضر. ليونيل ميسي، الاسم الذي يُردد كتعويذة مقدسة في الأرجنتين، وكريستيانو رونالدو الذي صنع تاريخ البرتغال بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

ميسي ليس مجرد لاعب فذ؛ إنه محور جاذبية غامضة، تُفسر عبر نظرات الإجلال من زملائه، وكلمات الثناء التي تتجاوز حدود الاحتراف، وتصرفات تكاد تكون طقوسًا من جميع نجوم التانجو.

في البرتغال، الأمر لا يبدو كما هو في الأرجنتين، فرغم أن كريستيانو صنع التاريخ لـ”سيليساو أوروبا”، إلا أنه خلال السنوات القليلة الماضية، ظهرت بعض اللقطات التي تشير إلى أن البرتغالي لا يتمتع بمكانة ليونيل في منتخب بلاده، خاصة الجيل الحالي.

ما يحدث مؤخرًا يدفعنا لطرح سؤال أكثر تعقيدًا مما يبدو: ما الذي يربط هؤلاء الرجال بميسي بخيط غير مرئي، سر يكمن في الكواليس، ويدفعنا للبحث في خفايا النفس البشرية وعلاقاتها في أعتى ميادين التنافس.

نحن نحارب من أجل ميسي

في كوبا أمريكا 2020، والتي أُقيمت في البرازيل عام 2021، ظهر المنتخب الأرجنتيني كالمحاربين في أرض الملعب، بعد خيبات عديدة في النهائيات، سواء مونديال 2014، أو كوبا أمريكا 2015 و 2016.

منتخب الأرجنتين الذي امتلك نجومًا خلال السنوات الماضية لم يتمكن من تحقيق أي لقب مع ليونيل ميسي، حتى جاء ليونيل سكالوني، وبقائمة لا تمتلك نجومًا بذلك القدر، فاز التانجو ببطولة كوبا أمريكا 2020، وركض الجميع نحو ميسي ليحتفل معه باللقب الذي انتظره “البرغوث” طويلًا.

في 2022، وبعد انتقادات كبيرة في بداية البطولة إثر الخسارة من السعودية، والوصول للمباراة الأخيرة من دور المجموعات دون ضمان التأهل، كان البعض يرى أن الأرجنتين أبعد ما تكون عن الفوز بالمونديال.

مع مرور الوقت، وصل ميسي إلى النهائي مع رفاقه، وبعد ملحمة دور الثمانية ضد هولندا، أظهر اللاعب نفسه شخصية انتصارية استثنائية، وكان غاضبًا مما حدث ضد الجهاز الفني للمنتخب الهولندي، ولا يمكن أن ننسى ما حدث مع فيغورست بعد المباراة.

قبل مباراة النهائي، تحدث إيميليانو مارتينيز قائلًا: “نحن نقاتل من أجل ميسي، الجميع يقاتل من أجله، مثلما فعلنا ذلك في كوبا أمريكا سنكرر الأمر غدًا”.

تصريحات إيميليانو مارتينيز انعكست على الفريق في الملعب، الذين كانوا يحتفلون بـميسي سواء سجل أو لا، سواء صنع أو اكتفى بالمشاهدة، وبعد ركلة جزاء مونتييل ركض الجميع نحو ليو في وسط الملعب عندما سقط يبكي متأثرًا بالانتصار، ومن ثم حملوه على الأعناق، بعدما اعترف بفضل إيمليانو.

رودريجو دي بول الذي سخرت منه وسائل التواصل الاجتماعي بأنه “الحارس الشخصي لـميسي” كان يقود الفريق بالكامل من أجل ليو، ومحاضرته مع اللاعبين وتذكيرهم بأن فرصة ليو الأخيرة للفوز بالمونديال بأيديهم، كانت محاضرة مثالية.

كل شيء في الأرجنتين يدور حول ميسي، وهذا الجيل الذي ربما لا يكون أفضل من الذي خسر نهائي 2014 في البرازيل، أو سقط أمام تشيلي في كوبا أمريكا 2015 و 2016، لكنهم كانوا على قلب رجل واحد، وهو ليونيل ميسي.

ذلك الأمر يجعلنا نذهب لنقطة مهمة ورئيسية في المقارنة بين ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، مع الأرجنتين والبرتغال بشأن تعامل هؤلاء اللاعبين معهم.

ميسي
ليونيل ميسي (المصدر:Gettyimages)

رونالدو صانع تاريخ البرتغال

بداية من 2004 وحتى 2025، ظل كريستيانو رونالدو ثابتًا مع المنتخب البرتغالي، من لاعب شاب يبحث عن المجد، إلى صانع التاريخ، والرجل الذي كتب اسم البرتغال بأحرف من ذهب في 3 بطولات قارية: “يورو 2016، دوري الأمم الأوروبية 2019 و 2025”.

كريستيانو رونالدو فعل كل شيء مع البرتغال، فهو الهداف التاريخي وأكثر من صنع الأهداف، جميع البطولات التي حققها كانت بمثابة تاريخ يُكتب بأقدام ورأس “التوماهوك البرتغالي”.

بعد فترة صعبة على البرتغال، كان رونالدو يحارب وحده، وفي 2016، قاد المنتخب للنهائي، وتوّج باللقب بتسديدة إيدير من على مقاعد البدلاء بعدما خرج مصابًا ضد فرنسا في نهائي اليورو.

الجيل الذي فاز مع رونالدو ببطولة 2016، يُشبه قليلًا هذا الجيل من المنتخب الأرجنتيني، وحينها كان الجميع يقاتل من أجل رونالدو بالفعل، وجملة “سدد يا إيدير” الشهيرة لم تكن مجرد جملة ساخرة، بل كنا نرى الجميع يلتف حول رونالدو وكريستيانو نفسه يقف بجانب فرناندو سانتوس ويقود المنتخب البرتغالي من على خط الملعب.

نحن الآن نجوم مثلك

مع مرور الوقت، وتراجع مستوى كريستيانو رونالدو، ورحيله من يوفنتوس ثم مانشستر يونايتد، حتى غادر أوروبا بالكامل وذهب إلى النصر السعودي، ظهر جيل ممتاز من المنتخب البرتغالي.

في جميع المراكز كنا نرى نجومًا أُنفقت من أجلها ملايين، مثل روبن دياز في الدفاع، ونونو مينديز، وبرونو فرنانديز وبرناردو سيلفا، ورافائيل لياو وجواو فيليكس، ومثلهم من اللاعبين الذين تفوقوا على رونالدو من حيث القيمة السوقية.

في كأس العالم 2022، انتشر فيديو لبرونو فرنانديز الذي يتجاهل مصافحة كريستيانو رونالدو، وكذلك جواو كانسيلو في التدريبات عندما رفض مزاح كريستيانو.

بالإضافة إلى ذلك، جلوس كريستيانو بديلًا في كأس العالم خلال مباراتي الأدوار الإقصائية ضد سويسرا في دور الـ16، ثم الخروج من المغرب في ربع النهائي.

في ذلك الوقت، ومع تألق جونزالو راموس، كان الجميع يُشيد بمهاجم بنفيكا في ذلك الوقت، ولم يتحدث أحد عن رونالدو، وغادر الأسطورة ملعب الثمامة وحده، دون أن يسانده أحد.

في 2024، وبعد مواجهة البرتغال وتركيا التي انتهت 3-0 للمنتخب البرتغالي، خرج برناردو سيلفا وقال: “من المزعج إيقاف المباراة كثيرًا، ولكن هذا الأمر ضريبة وجود لاعب مثل رونالدو معنا. يجب أن نركز بشكل أكبر على الفريق وما قدمناه والفوز بالمباراة بهذه النتيجة”.

تلك التصريحات كانت بعد إيقاف المباراة ضد تركيا كثيرًا، بسبب اقتحام بعض المشجعين من أجل احتضان رونالدو.

الجيل الحالي للبرتغال، قد ينظرون لأنفسهم بنظرة النجوم، بمعنى أن هذا هو زمنهم هم وليس رونالدو، لقد قدم كل شيء، ولا بد أن يترك الساحة لمن هم غيره.

أجيال البرتغال السابقة، لم تكن بها العديد من النجوم مثل هذا الجيل، كما ذكرنا من حيث القيمة السوقية، أو حتى الهالة الإعلامية، فبالتالي لا يحصل أي منهم على التقدير الكافي من وجهة نظرهم في ظل وجود كريستيانو رونالدو.

على الجانب الآخر، كما ذكرنا، ليونيل ميسي كل من حوله، تألقوا بجانبه، وكان الفوز بكأس العالم هو من صنع منهم نجومًا، سواء إيميليانو مارتينيز، أو إنزو فرنانديز، وكذلك ماك أليستر، جميعهم مصيرهم تغير بعد كأس العالم 2022.

نرجسية رونالدو وتواضع ميسي

ليونيل ميسي لم يُفرض على قلوب الأرجنتينيين بقوة الأرقام، بل تسلل إليها بصمت الموهبة، ودموع الخسائر قبل أفراح البطولات. كلما ارتدى قميص التانجو، بدا وكأنه طفل نشأ في أحياء روساريو يلعب بين الجدران المتصدعة، لا نجمًا عالميًا يعيش تحت أضواء باريس أو برشلونة، أو في معالم ميامي.

على النقيض، يقف كريستيانو رونالدو فرغم إنجازاته، لم يحمله رفاقه في البرتغال كما حمل الأرجنتينيون ميسي.

شخصية رونالدو أنانية بعض الشيء، وهو ما أكده بنفسه في تصريحاته، حيث يسعى دائمًا للحصول على المجد الشخصي، دائمًا ما يبحث عن الأرقام الفردية والجوائز.

كريستيانو رونالدو - لامين يامال - المصدر (Getty Images)
كريستيانو رونالدو – لامين يامال – المصدر (Getty Images)

عند مقارنته بلاعبين آخرين مثل ليونيل ميسي، نجد كريستيانو رونالدو يتحدث أنه الأفضل، ويستحق الفوز بالكرة الذهبية، ويريد أن يتحدث عنه الجميع.

يُلاحظ أن رونالدو غالبًا ما يعبر عن ثقته المفرطة بنفسه وبقدراته، وقد تصل إلى حد التصريحات التي توحي بأنه الأفضل في التاريخ أو لا يوجد من هو أكمل منه كلاعب. “ليس هناك لاعب يقوم بأي شيء لا أستطيع فعله، ولكنني أفعل ما لا يقدر عليه غيري، ليس هناك لاعب متكامل أكثر مني، أنا الأفضل تاريخيًا في اللحظات السيئة والجيدة”. هذه التصريحات تعكس شعورًا قويًا بالتفوق الفردي والتميز.

احتفالات رونالدو بالأهداف غالبًا ما تكون موجهة نحو الجمهور والكاميرات، مع إشارات متكررة إلى نفسه. هذا السلوك يفسر على أنه حاجة مستمرة للفت الانتباه وتلقي الإعجاب.

نتذكر هدف برونو فرنانديز ضد أوروجواي، فقد احتفل به رونالدو، وظل يحاول إقناع الحكم بأن الكرة لمست رأسه، حتى يتم احتساب الهدف له، وليس لـبرونو.

كذلك غيابه عن حفلات توزيع الجوائز التي لا يفوز بها، مثل عدم حضوره لتتويج لوكا مودريتش بالكرة الذهبية، يُنظر إليه على أنه عدم قدرة على تقبل عدم كونه محور الاهتمام الأول.

رونالدو يُظهر أحيانًا ردود فعل عنيفة أو استياءً واضحًا عند تلقي النقد، أو عندما لا يحظى بالتقدير الذي يشعر أنه يستحقه. هذا يمكن أن يشير إلى حساسية عالية تجاه أي شيء يمس صورته الذاتية المتضخمة التي يراها بنظرته الخاصة.

في المقابل، يُنظر إلى ليونيل ميسي غالبًا كنموذج للتواضع، على الرغم من كونه أحد أعظم اللاعبين في تاريخ كرة القدم. هذا التواضع لا يقلل من عبقريته، بل يضيف إلى سحره وجاذبيته لدى الجماهير وزملاءه تحديدًا، وهي شخصية الأرجنتيني من الأساس، الذي لا يحاول أبدًا تغييرها.

ميسي ليس من اللاعبين الذين يسعون للظهور الإعلامي المبالغ فيه أو التصريحات المثيرة للجدل. غالبًا ما يفضل التركيز على الملعب وترك أفعاله تتحدث عنه.

تصريحاته بعد الإنجازات الكبرى: حتى بعد الفوز بالألقاب الكبرى مثل كأس العالم، غالبًا ما يركز ميسي في تصريحاته على الجهد الجماعي، ودعم زملائه، والجماهير، بدلًا من التركيز على دوره الفردي.

تجنب الاحتفالات الفردية المبالغ فيها: بينما يمتلك احتفالاته الشهيرة، إلا أنها لا تتسم بالاستعراض المبالغ فيه أو الإشارات المتكررة لنفسه بطريقة قد تُفسر على أنها نرجسية، رغم أنه يذهب أحيانًا للرد على الجماهير مثلما فعل في سانتياجو بيرنابيو عام 2017.

يُعرف ميسي باحترامه لزملائه وخصومه على حد سواء. نادرًا ما يُظهر الغضب تجاه زملائه في الملعب، بل غالبًا ما يُلاحظ عليه محاولته تشجيعهم أو مساعدتهم.

في مناسبات عديدة، تخلى ميسي عن تنفيذ ركلات جزاء (كانت ستُسجل باسمه) لزملائه لتعزيز ثقتهم أو لمساعدتهم على تسجيل الأهداف، كما حدث مع نيمار ولويس سواريز في برشلونة.

ليونيل ميسي
ليونيل ميسي – منتخب الأرجنتين (المصدر:Gettyimages)

حتى عندما يسجل أهدافًا حاسمة، يتجه ميسي فورًا للاحتفال مع زملائه، مما يبرز الروح الجماعية لديه.

فيما يخص الأرقام القياسية، صرح ميسي في أكثر من مناسبة بأن الأرقام الفردية لا تعني له الكثير بقدر ما تعنيه الألقاب الجماعية التي يفوز بها فريقه.

على الرغم من مكانته الأسطورية، يُظهر ميسي قدرة على تقبل النقد والعمل على تحسين أدائه. ونتذكر ما حدث عندما قرر الاعتزال الدولي عندما تلقى هجومًا كبيرًا من الإعلام الأرجنتيني وجمهور منتخب بلاده، قبل العودة.

تُبرز هذه المقارنة بين ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو أن التنافس لا يقتصر على الأرقام والإنجازات الفردية، بل يمتد إلى جوهر القيادة والتأثير على من حولهم. بينما يمثل ميسي القائد الذي يلهم الزملاء بالتواضع والروح الجماعية، ويقاتل الجميع من أجله، يجسد رونالدو الطموح الفردي الذي يطمح للمجد الشخصي، مما قد يخلق شعورًا بالنرجسية وتراجعًا في الدعم من الجيل الجديد تجاه زملائه.

هذا الأمر مجرد فرضية، وجهة نظر قد يفكر فيها زملائه في المنتخب، مثلما تم التعامل مع نونو مينديز في مواجهة إسبانيا، وليس كريستيانو رونالدو.

هذه الأشياء تُبنى على نظرة كل لاعب لنفسه، وأن زمن كريستيانو لابد وأن يكون قد انتهى، ولن ينظر أحد له نظرة الانبهار التي كانت في 2016 من الجيل الذي حقق يورو فرنسا، أو من هم قبلهم.

لا شك في أن كريستيانو رونالدو أسطورة حقيقية، ولا يُمكن أبدًا التقليل مما يقدمه، ولكننا نتحدث عن واقع، وأمثلة نراها في أرض الملعب.

نادر شبانة

صحفي مصري منذ عام 2012، عملت بالعديد من القنوات التلفزيونية، أقوم بتقديم محتوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أهتم بكرة القدم العالمية والإيطالية بشكل أكبر، أجيد كتابة القصص في كرة القدم والتحليلات للمباريات، وترجمة الأخبار ومتابعة الأحداث لحظة بلحظة